17 - 07 - 2024

إيقاع مختلف | أسامة: دراما بطعم الوطن

إيقاع مختلف | أسامة: دراما بطعم الوطن

تسألنى عن أكثر المبدعين إدهاشا لى خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين؟ أقول لك ببساطة ودون تفكير عميق: إنه السيناريست العبقرى أسامة أنور عكاشة.

نعم، هو هذا الأديب العبقرى الذى جعل من الدراما جنساً أدبياً راقياً لا يقل فى نبله وارتقائه عن فن الرواية أو الشعر، وجعل من الشاشة صورة عبقرية للفكر الإنسانى النبيل العميق. 

فى هذه الأيام أشعر بلون من الافتقاد الحقيقى لهذا الأديب الملهم الذى ناقش أعقد قضايا الأمة وأكثرها خصوصية وجرأة على هذا المربع الأبيض المضىء، وكثيراً ما أشعر أنى بحاجة إلى أن أحاوره وأسأله:

لماذا لم تخبرنى أيها العبقرى الفريد كيف استطعت أن تجعل من مسلسلاتك مرآة حقيقية للوطن، قبل أن تتحول هذه المسلسلات من بعدك إلى غثاء يلهى ويضلل ويزيف؟

لماذا لم تعلمنى مثلاً كيف أطرح قضية الهوية المصريةـ بأبعادها الفرعونية والإسلامية والمتوسطيةـ التى حار فى شأنها المفكرون، فى بساطة مدهشة كالتى فعلتها أنت فى مسلسل رشيق دافىء مثل "أرابيسك"؟

وكيف لم تنبهنى إلى أن الحديث عن فساد الذوق وعشوائية الفكر لا يحتاج إلى خطابة، بل إلى مسلسل صادم مثل "الراية البيضاء" الذى يكشف عن الدور الحقيقى الذى ينبغى أن تلعبه الثقافة وينهض به المثقفون فى مواجهة طوفان القبح الذى لا يبقى ولا يذر؟ 

وكيف لم تنبئنى بأن التأريخ لمصر ومحاكمة عصورها الملكية والناصرية والساداتية وما بعدها لا يحتاج لأكثر من مسلسل متخم بالرؤى موشى بالرومانسية مثل "ليالى الحلمية"؟ 

لماذا أخفيت عنى أن الموزاييك المصرى يمكن أن يفصح عن أسراره فى بلد فريد كالإسكندرية، وفى مسلسل رشيق مثل"زيزينيا"، وأن أعقد قضايا "التطبيع" التى يظن البعض أنها شأن سياسى محض يمكن أن تمر عابرة فى مسلسل مثل "امرأة من زمن الحب"؟

من أباح لك أن تجرى أدمعنا من حيث أنت تسقينا شهد المتعة الفكرية الخالصة، وأنت تلقننا حكمة الحياة الاجتماعية المصرية التى تأبى إلا أن تكون مزيجاً مصرياً فريداً صيغ من الشهد والدموع؟

أخبرنى أيها الجراح الماهر كيف جعلت من قلمك مشرطاً ماهراً يستأصل أورامنا الاجتماعية الخبيثة، موقناً أن أرض مصر مازالت تعطى وأن سماءها مازالت تظل وأن النيل مازال يجرى؟

قل لى بربك يا صديقى كيف أخذت هذه الأسرار كلها معك ومضيت وتركتنا ولم تترك لنا حتى "مشربية" أنيقة نطل من خلالها عليك؟!

مقالات اخرى للكاتب

جِيل من الصور الطلِيقَة